يمكننا الاستشهاد بأمثلة لا حصر لها من الحالات التي لعب فيها المترجمون والمترجمون الفوريون نقطة محورية في تطور الحضارة العربية منذ عصور ما قبل الإسلام.
وفقًا للباحث حسين عبده ربابعة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (2015)، فإن الأمة العربية في الأوقات التي سبقت ظهور الإسلام كانت منقسمة من حيث الولاء بين القوتين العظميين في ذلك الوقت، الرومان في الغرب، والفرس في الشرق. وأي اتصالات مع هذه السلطات أو ممثليها كانت بحاجة إلى شكل من أشكال الترجمة لتيسيرها.
وقد اعتاد عرب مكة، والتي اكتسبت فيما بعد أهمية غير مسبوقة كعاصمة روحية للدولة العربية المتوسعة، السفر إلى سوريا في الصيف، واليمن في الشتاء للتجارة، وكانوا بحاجة إلى خدمة الترجمة عند التعامل مع غير العرب، من باعة وزبائن.
إن تاريخ الترجمة في العالم العربي، كمنطقة تقع في قلب العالم وتعمل كجسر بين المناطق والثقافات، يحمل دليلا على أهمية هذه المهنة عبر التاريخ. إنها قصة نقل المعرفة والتواصل، وهما العاملان اللذان يؤديان إلى الازدهار والسلام العالمي.
تعود أقدم سجلات جهود الترجمة العربية إلى القرن الثاني الميلادي، على يد السوريين، وهي بالأساس ترجمة لأعمال الفلاسفة اليونانيين، مثل أرسطو.
وفي ملخص بحثه، يقول ربابعة إن مساهمة المترجمين العرب في الحضارة العالمية تمت من خلال الترجمة من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك الصين والهند في الشرق، واليونان والإمبراطورية الرومانية في الغرب لتندمج في بوتقة الانصهار في الدولة الإسلامية الناهضة في ذروة الحضارة العربية الإسلامية، بينما ساعد المترجمون المحترفون في نقل الإنجازات العربية المتراكمة في عالم المعرفة إلى أوروبا، والتي كانت تتخلص من آثار العصور المظلمة قبل العصور الوسطى.
علاوة على ذلك، هناك “دليل على أن النقل لم يقتصر على علوم مثل الكيمياء وعلم الفلك وعلم النبات من بين فروع العلوم الأخرى. بل امتد ليشمل الفنون والأدب؛ فقد ترجم المترجمون العرب قصصًا وقصصًا من الهند وشرق آسيا إلى أوروبا والغرب”.
ويمكن تقسيم المراحل التاريخية إلى سبع مراحل، بدءًا من عصر ما قبل الإسلام، وفجر الإسلام، والعصر الأموي وأوائل العصر العباسي، بما في ذلك الوجود الإسلامي في إسبانيا، وحركة الترجمة العكسية من العربية إلى اللغات الأوروبية في العصور الوسطى، وعصر النهضة العربية قبل الوصول إلى العصر الحديث.
كان الدافع وراء الاهتمام بالترجمة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خاصة بين 620-632 ميلاديًا، مرتبطًا برسالته لنشر رسالة الإسلام، لذلك ساعده أشخاص مثل زيد بن ثابت عندما أراد إيصال كلمة الله إلى العالم لترجمة الرسائل لزعماء الطوائف الأخرى كاليهود والأمم الأخرى وخاصة الفرس والبيزنطيين.
ومع توسع الدولة الإسلامية في العصر الأموي، ازدادت أهمية مهنة الترجمة والترجمة الفورية، ولكن عصرها الذهبي كان العصر العباسي الأول، عندما تأسست دار الحكمة لتتولى مهمة ضخمة بتمويل سخي وهي نقل معرفة الإمبراطوريات السابقة إلى العربية.
مع تراجع الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر وظهور الهوية العربية، كانت الترجمة في قلب ما يسمى بالنهضة العربية، بقيادة علماء مثل رفاعة الطهطاوي، وأحمد فارس الشدياق، وبطرس البستاني وغيرها.
وفقًا للباحثين، ربما يكون نشاط الترجمة في العصر الحديث في العالم العربي قد زاد من حيث الكمية، لكنه يواجه تحديات تتعلق بالاتساق والجودة ونقص التعاون بين الأطراف المعنية.
ومع ذلك، من المرجح أن يؤدي الجمع بين الترجمة الآلية وتدخل المواهب البشرية، مثل عمل منصة Daqeeq في دبي، إلى تسريع العملية وضمان الاتساق ونقل الصناعة إلى مستوى جديد تمامًا.
No comments yet.